دعوة ايران لمراجعة موقفها من إخراج شريط سينمائي يمثل فيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
تناقلت وكالات الأنباء في الآونة الأخيرة خبر الانتهاء في ايران من إخراج شريط سينمائي عن شخصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في سابقة هي الأولى على امتداد العالم الاسلامي وحتى غيره من كبريات شركات الانتاج السينمائي التي ظلت مراعية لحساسية هذه المسألة (تمثيل شخصية رسول الله) فلم تتجاسر على اقتحام هذا المجال. لقد ظل موضوع تمثيل شخصية الرسل والأنبياء عليهم السلام بل حتى الصحابة محل حذر شديد وتوقف وقدمت إلى دور الإفتاء والمجالس العلمية والاسلامية والمجامع الفقهية استفتاءات من طرف شركات الانتاج السينمائي وجمعيات المسرح وكان الجواب الذي يكاد يصل إلى درجة الإجماع بأن تمثيل شخصيات الرسل والأنبياء وتقمص أدوارهم من طرف الممثلين بحيث يكونون انبياء ورسلا ولو كان ذلك مجرد تمثيل ليس فيه تزيد عليهم ان ذلك لا يجوز لأنه لا أحد يمكنه ان يرتقي إلى مرتبة النبي أو الرسول لا خَلْقًا ولا خُلُقًا وسيرة، فالأنبياء والرسل هم أكمل الناس بما خصهم الله به من عصمة يتطابق بها ظاهرهم مع باطنهم وأقوالهم مع أفعالهم في كل اوقاتهم وأحوالهم وهو ما لا يمكن أن يصل إلى درجته انسان مهما اكتسب من الكمالات • ثم ان المشاهد أو المتابع للدور الذي يؤديه الممثل لا يغيب عن ذهنه ما يسبق ذلك الدور وما يتبعه من الأحوال التي هي من صميم بشرية الممثل التي يعتريها النقص في حين ان الصورة التي ينبغي ان تظل راسخة في الأذهان عن الأنبياء والمرسلين هي صورة الكمال الانساني وهي من مقتضيات ومستلزمات الإيمان بهم ولا يجوز تصور منقصة من أحدهم بحكم العصمة التي تقتضيها مرتبة القدوة والأسوة • ومن مفهوم ومقتضى هذا التصور الديني للرسل والأنبياء وإعمالا لأصول وقواعد فقهية مجسمة للمقاصد الشرعية والتي منها قاعدة سدّ الذرائع وان الغايات النبيلة لا يمكن ان تعتمد إلى على وسائل نبيلة كان الحكم بعدم جواز تمثيل الرسل والأنبياء وهو أخذ بالأحوط وسدّ لأبواب لو فتحت لا يمكن أن نحكم على ما يترتب عليها من محظورات بعد ذلك وقد وقع الاكتفاء فيما أنتج من أشرطة ومسرحيات بترديد ما يصدر عن الأنبياء والرسل بواسطة بحيث لا ترى ذات النبي أو الرسول ولا يُسمع صوته فلا تمثل الذات أو الصوت من طرف الممثل في الشريط أو المسرحية وكان ذلك في مثل شريط الرسالة الذي حقق نجاحا وانتشارا كبيرين وتحققت به اللاسلام ونبي الاسلام عليه السلام خدمة كبيرة وكان هذا الشريط في نسخته الانجليزية سببا في هداية الكثيرين للاسلام وتعرف به جمهور كبير من المسلمين على حقيقة دينهم ونبيهم كل ذلك في إطار من القيود الشرعية التي تجندت لها في الإبان الهيئات الشرعية ودور الإفتاء والشخصيات الدينية الكبيرة الذين وضعوا في اعتبارهم عندما أصدروا الفتاوى المانعة لتمثيل الرسل والأنبياء كل ما ينبغي على المسلم ان يعتقده ويتصوره ويتعامل به تجاه أنبياء الله ورسلهم عليهم السلام مما هو من المعلوم من الدين بالضرورة ولم تغب عن أذهانهم كل ما يعرضه أصحاب مبادرات تمثيل الأنبياء والرسل من حجج والتي رغم نبل غاياتها ومقاصدها إلا أنها تظل محفوفة بمحاذير هي في حكم اللازم لها غير المنفك عنها • وإقدام ايران على انتاج هذا الشريط عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام مهما كانت الغاية منه والهدف الذي يراد الوصول إليه فيه خرق لإجماع لا يزال حاصلا بين كل مكونات الأمة الإسلامية على مختلف مذاهبها ومدارسها الفكرية اذ القضية معروضة من جديدعلى انظار المجامع الفقهية والتي منها مجمع الفقه الاسلامي الدولي بجدة وايران عضو فيه فهذه الهيئة هي الجهة العلمية الممثلة لكل الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي ولم يبت المجمع بعد في المسألة والاتجاه بالنسبة للأنبياء والرسل هو منع تمثيلهم في حين ان تمثيل غيرهم ممن هم دون الأنبياء والرسل مرتبة (الصحابة وغيرهم) يمكن ان لا يكون بالمنع وإنما بالإباحة بشروط وقيود تجعل حتى تمثيل هؤلاء لا يحصل منه محظور والصحابة في كل الأحوال ليسوا رسلا ولا أنبياء ومهما كانت المبررات والحجج ومهما كانت خصوصية المذهب الذي يستند إليه في الإفتاء بإباحة وجواز تمثيل الرسل والأنبياء والصحابة والأئمة وهو بالنسبة لايران المذهب الامامي والمذهب الجعفري فإن الانتماء إلى الدين الواحد والأمة الواحدة يفرض في مثل هذه القضايا الدقيقة والحساسة التنسيق الكامل والأخذ بالأحوط وما عليه الأكثر والأغلب لأن خرق الإجماع والاستقلال بالرأي والموقف مدخل لمزيد التنازع وابتعاد عن الاتحاد والوحدة التي لا ينفك ينادي بها الجميع وايران أولى من يجسمها في حيز الواقع وهي التي لا تزال تعقد من أجلها المؤتمرات والندوات كل عام من ذلك أسبوع الوحدة الإسلامية السنوي الذي ينظمه كل عام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف وذكرى مولد الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه إننا نامل من ايران ومن هيئاتها العلمية والدينية في هذه القضية الحساسة ان تتريث ولا تتسرع في إخراج هذا الشريط السينمائي الذي يمثل فيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك مراعاة للاعتبارات الدينية ومشاعر أغلب مكونات الأمة وهيئاتها وعلمائها.
